فصل: (سورة الأعراف: الآيات 65- 69)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة الأعراف: الآيات 65- 69]

{وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُودًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65)}.
{أَخاهُمْ} واحدًا منهم من قولك: يا أخا العرب، للواحد منهم. وإنما جعل واحدًا منهم، لأنهم أفهم عن رجل منهم وأعرف بحاله في صدقه وأمانته، وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وأخاهم: عطف على نوحا. وهُودًا عطف بيان له. فإن قلت: لم حذف العاطف من قوله قالَ يا قَوْمِ ولم يقل: فقال كما في قصة نوح؟ قلت: هو على تقدير سؤال سائل قال: فما قال لهم هود؟ فقيل: قال يا قوم اعبدوا اللّه، وكذلك {قالَ الْمَلَأُ}. فإن قلت: لم وصف الملأ {الَّذِينَ كَفَرُوا} دون الملأ من قوم نوح؟ قلت: كان في أشراف قوم هود من آمن به، منهم مرثد بن سعد الذي أسلم وكان يكتم إسلامه فأريدت التفرقة بالوصف ولم يكن في أشراف قوم نوح مؤمن. ونحوه قوله تعالى: {وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة}، ويجوز أن يكون وصفًا واردًا للذمّ لا غير {فِي سَفاهَةٍ} في خفة حلم وسخافة عقل، حيث تهجر دين قومك إلى دين آخر، وجعلت السفاهة ظرفا على طريق المجاز: أرادوا أنه متمكن فيها غير منفك عنها. وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام- من نسبهم إلى الضلال والسفاهة، بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء وترك المقابلة، بما قالوا لهم مع علمهم بأنّ خصومهم أضلّ الناس وأسفههم- أدب حسن وخلق عظيم، وحكاية اللّه عزّ وجلّ ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم {ناصِحٌ أَمِينٌ} أي عرفت فيما بينكم بالنصح والأمانة، فما حقي أن أُتهم. أو أنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه {خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} أي خلفتموه في الأرض، أو جعلكم ملوكا في الأرض قد استخلفكم فيها بعدهم {فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً} فيما خلق من أجرامكم ذهابا في الطول والبدانة. قيل: كان أقصرهم ستين ذراعا، وأطولهم مائة ذراع {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ} في استخلافكم وبسطة أجرامكم وما سواهما من عطاياه. وواحد الآلاء إلى نحو إنى وإناه، وضلع وأضلاع، وعنب وأعناب. فإن قلت: {إذ} في قوله: {إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ} ما وجه انتصابه؟ قلت: هو مفعول به وليس بظرف، أي اذكروا وقت استخلافكم.

.[سورة الأعراف: الآيات 70- 72]

{قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72)}.
{أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ} أنكروا واستبعدوا اختصاص اللّه وحده بالعبادة، وترك دين الآباء.. في اتخاذ الأصنام شركاء معه، حبًا لما نشأوا عليه، وألفًا لما صادفوا آباءهم يتدينون به. فإن قلت: ما معنى المجيء في قوله: {أَجِئْتَنا}؟ قلت: فيه أوجه: أن يكون لهود عليه السلام مكان معتزل عن قومه يتحنث فيه، كما كان يفعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحراء قبل المبعث فلما أوحى إليه جاء قومه يدعوهم. وأن يريدوا به الاستهزاء، لأنهم كانوا يعتقدون أنّ اللّه تعالى لا يرسل إلا الملائكة، فكأنهم قالوا: أجئتنا من السماء كما يجيء الملك، وأن لا يريدوا حقيقة المجيء، ولكن التعرّض بذلك والقصد، كما يقال: ذهب يشتمني، ولا يراد حقيقة الذهاب، كأنهم قالوا: أقصدتنا لنعبد اللّه وحده وتعرّضت لنا بتكليف ذلك؟
{فَأْتِنا بِما تَعِدُنا} استعجال منهم للعذاب {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ} أي حق عليكم ووجب، أو قد نزل عليكم. جعل المتوقع الذي لابد من نزوله بمنزلة الواقع. ونحوه قولك لمن طلب إليك بعض المطالب. قد كان ذلك. وعن حسان أن ابنه عبد الرحمن لسعه زنبور وهو طفل، فجاء يبكى. فقال له يا بنىّ مالك؟ قال: لسعنى طوير كأنه ملتف في بردي حبرة، فضمه إلى صدره وقال له: يا بنى، قد قلت الشعر. والرجس: العذاب من الارتجاس وهو الاضطراب {فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها} في أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات، لأنكم تسمونها آلهة. ومعنى الإلهية فيها معدوم محال وجوده. وهذا كقوله تعالى: {ما تدعون من دونه من شيء}. ومعنى {سَمَّيْتُمُوها} سميتم بها من: سميته زيدًا. وقطعُ دابرهم: استئصالهم وتدميرهم عن آخرهم.
وقصتهم أن عادًا قد تبسطوا في البلاد ما بين عمان وحضرموت. وكانت لهم أصنام يعبدونها.
صداء. وصمود، والهباء، فبعث اللّه إليهم هودًا نبيًا، وكان من أوسطهم وأفضلهم حسبًا، فكذبوه وازدادوا عتوًّا وتجبرًا، فأمسك اللّه عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدوا، وكان الناس إذا نزل بهم بلاء طلبوا إلى اللّه تعالى الفرج منه عند بيته المحرّم مسلمهم ومشركهم، وأهل مكة إذ ذاك العماليق أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وسيدهم معاوية بن بكر، فجهزت عاد إلى مكة من أماثلهم سبعين رجلا، منهم قيل بن عنز، ومرثد بن سعد الذي كان يكتم إسلامه. فلما قدموا نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجًا عن الحرم، فأنزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله وأصهاره، فأقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان.
- قينتان كانتا لمعاوية- فلما رأى طول مقامهم وذهولهم باللهو عما قدموا له أهمه ذلك وقال: قد هلك أخوالى وأصهارى وهؤلاء على ما هم عليه، وكان يستحى أن يكلمهم خيفة أن يظنوا به ثقل مقامهم عليه، فذكر ذلك للقينتين. فقالتا: قل شعرًا نغنيهم به لا يدرون من قاله. فقال معاوية:
ألا يا قيل ويحك قم فهينم ** لعلّ اللّه يسقينا غماما

فيسقى أرض عاد إن عادا ** قد امسوا ما يبينون الكلاما

فلما غنتا به قالوا: إن قومكم يتغوثون من البلاء الذي نزل بهم وقد أبطأتم عليهم، فادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم، فقال لهم مرثد بن سعد: واللّه لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيكم وتبتم إلى اللّه سقيتم وأظهر إسلامه، فقالوا لمعاوية: احبس عنا مرثدا لا يقدمنّ معنا مكة، فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا، ثم دخلوا مكة فقال قيل: اللهم اسق عادًا ما كنت تسقيهم، فأنشأ اللّه تعالى سحابات ثلاثًا بيضاء وحمراء وسوداء، ثم ناداه مناد من السماء.
يا قيل، اختر لنفسك ولقومك، فقال: اخترت السوداء فإنها أكثرهنّ ماء فخرجت على عاد من واد لهم يقال له المغيث، فاستبشروا بها وقالوا هذا عارض ممطرنا، فجاءتهم منها ريح عقيم فأهلكتهم، ونجا هود والمؤمنون معه، فأتوا مكة فعبدوا اللّه فيها حتى ماتوا. فإن قلت: ما فائدة نفى الإيمان عنهم في قوله: {وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ} مع إثبات التكذيب بآيات اللّه؟ قلت:
هو تعريض بمن آمن منهم كمرثد بن سعد، ومن نجا مع هود عليه السلام، كأنه قال: وقطعنا دابر الذين كذبوا منهم ولم يكونوا مثل من آمن منهم، ليؤذن أنّ الهلاك خص المكذبين، ونجى اللّه المؤمنين. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)} إلى قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)}.
القصة الثالثة قصة هود وذلك قوله سبحانه: {وإلى عاد أخاهم هودًا}.
والتقدير لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا. واتفقوا على أن هودًا ما كان أخاهم في الدين. ثم قال الزجاج: معناه أنه كان من آدم ومن جنسهم لا من جنس الملائكة والجن. وقيل: أراد واحدًا منهم قاله الكلبي، وهو من قولك يا أخا العرب لواحد منهم، وقيل: خص واحدًا منهم بالإرسال إليهم ليكونوا أعرف بحاله في صدقه وأمانته. وقيل: معناه صاحبهم. والعرب تسمي صاحب القوم أخاهم قال صلى الله عليه وسلم: «إن أخاكم أذن وإنما يقيم من أذن» يريد صاحبهم. ونسبه هود بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح {وهودًا} عطف بيان لأخاهم. وأما عاد فهم كانوا باليمين بالأحقاف. قال ابن إسحق: والأحقاف الرمل الذي بين عمان إلى حضرموت. واعلم أن ألفاظ هذه القصة بعضها يوافق الألفاظ المذكورة في قصة نوح وبعضها يخالفها فلنبين أسرارها فمنها قوله هناك {فقال يا قوم اعبدوا الله} وهاهنا {قال يا قوم} والفرق أن نوحًا عليه السلام كان مواظبًا على دعوتهم وما كان يؤخر الجواب عن شبهاتهم لحظة واحدة، وأما هود فما كان جدّه إلى هذا الحد فلا جرم جاء بالتعقيب في قصة نوح دون قصة هود. ويمكن أن يقال: لما أضمر {أرسلنا} أضمر الفاء لأن الداعي إلى الفاء {أرسلنا} وفي الكشاف أن هذا وارد على سبيل الاستئناف.
ومنها قوله: {ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} وفي قصة هود {ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} لأن واقعة هود كانت مسبوقة بواقعة نوح فوقع الاقتصار على ذلك أي لعلكم تحذرون مثل ذلك العذاب العظيم الذي اشتهر خبره في الدنيا. ومنها {قال الملأ من قومه} وفي قصة هود {قال الملأ الذين كفروا من قومه} إما أن هذا وصف وارد للذم لا غير، وإما أنه لم يكن في أشراف قوم نوح من يؤمن وكان في أشراف قوم هود من آمن به منهم مرثد بن سعد الذي كان يكتم إسلامه فأريد التفرقة بالوصف. ومنها أن قوم نوح {قالوا إنا لنراك في ضلال مبين} وقوم هود {قالوا إنا لنراك في سفاهة} أي متمكنًا منها تمكن المظروف من الظرف. وذلك أن نوحًا كان يخوّفهم بالطوفان العام وكان يشتغل بإعداد السفينة مدّة طويلة فوصفوه بضعف الرأي والبعد عن السداد. وأما هو فما ذكر شيئًا إلا أنه زيف معتقدهم في عبادة الأصنام وطعن فيها فقابلوه بمثله ونسبوه إلى السفاهة وخفة العقل حيث فارق دين قومه. ثم قالوا: {وإنا لنظنك من الكاذبين} في ادعاء الرسالة. قيل: الظن بمعنى الجزم واليقين كقوله: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} [البقرة: 46] قال الحسن والزجاج: كانوا شاكين فيعلم أن الشك والتجويز في أصول الدين يوجب الكفر. ومنها قول نوح {وأنصح لكم} وقال هود {وأنا لكم ناصح} وذلك لأنه كان من عادة نوح عليه السلام العود إلى تجديد تلك الدعوة في كل يوم وفي كل ساعة، وصيغة الفعل دلت على التجدد المستمر ولهذا {قال رب إني دعوت قومي ليلًا ونهارًا} [نوح: 5] إلى آخر الآيات. وأما هود فكان ثابتًا على النصح غير مجدد إياه لحظة فلحظة كما كان يفعل نوح. ثم إن نوحًا عليه السلام قال: {وأعلم من الله ما لا تعلمون} لأنه كان يعلم من أسرار الله تعالى ما لم يصل إليه هود فلا جرم أمسك هود لسانه واقتصر على وصف نفسه بكونه أمينًا ثقة أي عرفت فيما بينكم بالنصح والأمانة فليس من حقي أن آتي بالكذب والغش. أو المراد تقرير الرسالة فإنها تدور على الأمانة أي أنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه. وفي هذين الجوابين عن مثل ذينك الشخصين مع جلالة قدرهما دليل على أن الحكيم يجب أن لا يقابل السفهاء إلا بالكلام المبني على الحلم والإغضاء. ومنها أن هودًا اقتصر على قوله: {لينذركم} لما مر في قصة نوح أن فائدة الإنذار هي حصول التقوى الموجبة للرحمة فلم يكن حاجة إلى الإعادة ولكنه ضم إلى ذلك شيئًا آخر يختص بهم فقال: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} أي خلفتموهم في الأرض أو جعلكم ملوكًا قد استخلفكم فيها بعدهم وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأملاكهم وما يتصل بها من المنافع، وإذا مفعول به لا ظرف أي اذكروا وقت جعلكم خلفاء {وزادكم في الخلق بسطة} فالخلق التقدير وقلما يطلق إلا على الشيء الذي له مقدار وحجمية.